dimanche 8 janvier 2012

اليثربيون الجدد

لكم أعشق ذلك العبد الحبشي الذي لم يعرف في حياته الأولى إلّا أغلال الرقّ و عبادة الأوثان. و يوم دعاه الصادق الأمين عليه الصلّاة و السلاّم، لبّى النداء دون أن تبهته معجزة فيزيائيّة و ما نزّل من القرآن يومئذ لا يزيد عن بضع آيات. ما صام و ما صلّى و ما رجم الشيطان بعد، لكنّه لبّى النداء و تحمّل الأذى إلى أن احتار فيه جلّادوه و أصبح معجزة في الإصرار، ترتاد مشهد عذابه كلّ قريش.
لبّى نداء الإنعتاق و الحريّة و الرقيّ الإنساني. ثار في نفسه لا لجوع و لا لعطش و لكن ليعانق قيمته الإنسانيّة. نفض عنه قديمه و تبرّأّ من عاداته و تقاليده و من جميع إرثه الفكري لأنّه آمن بالتقدّم و بقيمة الإنسان، فاكتسب مكانة جعلت شهرته تقطع التاريخ إلى اليوم و جعلت سيّدنا عمرا يقول عنه "أبو بكر سيّدنا و أعتق سيّدنا".
و اليوم، هناك من باسم الهدى و الرحمة اللّذان أنزلا للبشر، لا يرضى أن يتزحزح قيد أنملة عمّا ورث من تقاليد و عمّا في ذهنه من أفكار بسطت سجفها في عصر غاب عنه أمثال ذلك الحبشي.
هنالك اليوم من يسلب الإنسان حقّ التقدّم و سنّ الجديد. هنالك اليوم من يحتقر قدرة الإنسان و يراه غير جدير بخلق التصوّرات و ابتداع المفاهيم المواكبة للعصر. و كأنّي به ينفسه المكانة التّي أولاه الله و يضمّ صوته لإبليس حين هزأ من قيمة الإنسان و رفض أمر المولى بالسجود له بينما سجدت الملائكة المعصومة لخليفة الله. سجدت للخطّاء لأنّه صاحب العقل.
هنالك اليوم من يعتقد جازما غاضبا حانقا رافضا صامّا أذنيه و عقله، أنّ الإنسان، منذ تكوّن المجتمع الإسلامي الأوّل في يثرب، لا يتقدّم و لا يستطيع أن يبدع و يخلق. و يصرّ مكابرا متيقّنا متحجّرا متحفّزا، أنّ القوانين التي حكمت من كان قبل هنيهة يئد بناته و يعكف على صنم صنعه و من كانت تسكنه حميّة الجاهلية، هي نفسها القوانين التّي يجب أن تحكم من ولد في القرن 20 موحّدا منذ 14 قرنا.
سيقول لهم شباب تونس أنّه لا يقلّ عن بلال الحبشي أملا في الله و حسن ظنّ به و ثقة في قدرة الإنسان و منزلته عند الله. سيقول لهم شباب تونس أنّه مع عميق احترامه لرموز تاريخه و للشجعان الذين أعزّوا دين الله، فإنّه لا يرضى أن يكتفي في حياته بما سطّر أبو حنيفة و مالك و الشافعي و ابن حنبل و أنّ يكون كل حظّه من العمل و الدنيا، تطبيق ما قال ابن تيميّة و ابن قيّم الجوزيّة و الماوردي.
سيقول لهم شباب تونس أنّه اليوم ندّ للعالم، بنّاء للحضارة. و أنّه مقتنع أنّ الناس خلقوا من ذكر و أنثى و من شعوب و قبائل للتعارف و أن الأكرم هو الأتقى.
سيقول لهم شباب تونس أنّه يهوى السينما و المسرح و الرقص و الغناء و الرسم. و أنّه لن يتنازل عن صوت فيروز و ماجدة الرومي و عن قصائد نزار و ألحان عبد الوهاب و آهات أم كلثوم و همسات "خوليو إقليزياز" و أنّه يحلّق رقّة و إنسانيّة مع حليم و شادية في أغنية "حاجة غريبة"... و أنّه يذوب شوقا لمراقصة حبيبه على أنغام "السلو" و "السالسا" و "التانقو".... و أنّ الشابّ التونسي يشرّفه أن يكون من يسكن إليه و من تجمعه به مودّة و رحمة، ندّا له عزيزا كريما، لأنّ في ذلك عزّة له.
سيقول لهم شباب تونس أنّه لم يسلم فحسب و إنّما دخل الإيمان قلبه و أنّه آمن أن الله أعزّ الإنسان و بعث له دينا يسنّ التقدّم و يحثّ عليه و يوجب التغيّر و التغيير لأنّ المولى وحده لا يتغّير. سيقول لهم شباب تونس أنّه لن يبقى جامدا متحجّرا متحنّطا عاكفا على السمكة، فهو قد تعلّم كيف يصطاد. و من فرط امتنانه و عشقه لنور المدينة الذي أضاء تاريخه، سيعمل على محاكاة هذا النور سرعة و حركة دائمة و استباقا و سبرا لأغوار الآتي.
سيقول لهم شباب تونس أنّه فهمهم و عرفهم و خبرهم فهم ليسوا إسلاميّين و ليسوا إخوانا و ليسوا في إتّجاه إسلامي و إنّما هم يثربيّون جدد.

وليد الشريف

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire