dimanche 18 mars 2012

ها هي تقبل كقطع الليل المظلم

بينما تعلو جلبة العاطفة و غوغاء الجهل و جعجعة الحميّة العمياء يظلّ صوت العقل و الحكمة و المنطق أخفت الأصوات في مرحلة ما بعد الثورة.
تنطلق الألسن بالثرثرة الجوفاء فتخبز أرغفة ساخنة من الأحكام و الآراء السطحيّة تتلقّفها أفواه عقول نؤومة الضحى و الظهر و المساء و فتات إرادات منتهى غايتها العيش لا إراديّا.
و نتاجا لهذا تروج الأوهام و التحاليل المغلوطة و التفاسير الحاجبة للواقع المُسدلة للدعة و السكون على النفوس و المدثّرة لها بعباءة الرضا الشخصي و الفخر الزائف.
أفكار ثلاث أو قل هي مغالطات تزدهر تجارتها في سوق الآراء و التصوّرات السياسيّة و يتزايد عليها كثير من السياسيّين و المحلّلين و الإعلاميّين وسط حشد من الناس جذبهم بريق البضاعة و غناء الباعة الشجيّ.
و هي آراء لا تصمد للتمحيص و لا تتماسك إذا ما تناولها العقل و حملها إلى مخبره و إنما يُراد بها السيطرة على جماهير من بُله و عميان.
المغالطة الأولى
أمّا أوّل هذه المغالطات فهي اتّهام منتقدي الفريق الحاكم بالخروج عن الجماعة و حثّهم على احترام إرادة الشعب و الإذعان لها و عدم المكابرة. و تتوجّه الانتقادات لاذعة لهؤلاء المعارضين فتسلقهم الألسنة سلقا فهم النّاعقون خارج السرب، الواقفون ضدّ إرادة الشعب، المتمسّكون بأفكار قالت فيها الأغلبيّة القول الفصل، المدافعون على باطل زُهق بعد أن دمغه الحقّ. فيستقرّ في ذهن العديد أن هذه الجماعة ظالمة غاشمة مثيرة للفتن تبغيها عوجا.
و الحقيقة أنّ في هذا خلط كبير. إنّ احترام نتائج الانتخابات يكون بالإذعان للشرعيّة الناشئة عنها و عدم الدعوة للعصيان المدني أو للإطاحة بالسلطة القائمة. أمّا أن يستبدل الفرد مبادئه أو أفكاره و مواقفه بأخرى يتبنّاها ممثلو الأغلبيّة فهذا ليس من احترام الانتخابات في شيء.
إنّ الانتخابات طريقة مدنيّة حضاريّة لتفويض السلطة الشرعيّة و ليست وسيلة لتبيان الحقيقة أو الفصل في وجاهة الأفكار لا و لا تُقام للحسم في المواقف و التصوّرات الفرديّة و توحيدها.
إنّ الحقيقة لا ينتجها صندوق اقتراع و لا تبرهنها أغلبيّة و إنّ وجاهة الفكرة لا تحتاج إلى عدد. فكم من رأي واهم لم يُغنِ عنه كثرة تتقاسمه و تبدّد بصواب لم يُؤمن به سوى النزر القليل أو حتّى الفرد الواحد. أما حوكم غاليلي و حُبِس في منزله حتّى مماته لأنّه قال أنّ الأرض تدور و الجمع محيط به ساخر منه متعجّب من عتهه و جهله؟...
المغالطة الثانية
أمّا المغالطة الثانية فهي تفسير عدم احترام القوانين و الإعتداء على حقوق و سيادة الدولة بضعف هيبتها. و لئن كان جليّا أنّ هيبة الدولة قد تردّت فإنّ هذا نتيجة و ليس سببا. أمّا السّبب فهو ضعف مفهوم الدولة بل انعدامه في أذهان الكثير منّا. فالواقع أنّ معظمنا لا يزال يعيش بذهنيّة تغيب عنها فكرة العقد الاجتماعي و العيش المشترك بما يستوجب من تنازلات في ظاهرها حدٌّ من الحريّة و في مضمونها تمتُّع أكبر بها.
إنّ من النّاس من يؤتي الزكاة عن طواعيّة بل يسّابق لدفعها و هو متهرّب من الضرائب سارق لها و لا تًطرفُ له عين و لا تختلج له نفس.
بل إنّ الإضرار بالممتلكات العمومية و محاولة الانتفاع منها بغير حقّ و التهرّب من الواجبات الوطنيّة هو دليل فطنة و حنكة و ذكاء عند أغلب الناس يلاقي كلّ الإجلال و الإعجاب. فكم أنصت الناس بكلّ إعجاب لفرد يروي بسالته في التمتّع بإعانة أو امتياز عمومي بغير وجه حقّ. و كم حسد الناس شخصا أبدع في انتهاك حقّ الدولة ليحقّق مصلحة فردية دون أن يطاله القانون. و لعلّ آخر ما جادت به الأذهان ما نسمعه من حين لآخر من مطالب لفرض الإتاوات على المداخيل المتأتيّة من منطقة معيّنة لصالح أهلها أو الأحقيّة في الشغل فيما جاور من مؤسّسات بدون أدنى اعتبار للكفاءة و الاختصاص.
و الأمثلة تستعصي على التعداد في هذا المجال بل إنّ هذه الذهنيّة هي من أكبر القواسم المشتركة للتونسيّين.
إنّ هذه السلوكياّت إنّما تبرهن على عدم استبطان مفهوم الدولة لدى الكثيرين و اعتبارها قوة متسلطّة تحدُّ من الحريّة و تعتدي على الأفراد و ليست هياكل تنظيميّة حامية للعيش المشترك تعمل على تطوير المجموعة و الحفاظ على الوطن.
إنّ العمل المجدي اليوم نراه في ترسيخ مفهوم الدولة و تعميق فكرتها و مبدئها في أذهان الناس لا في التباكي على غياب هيبة الدولة. غير أن وجود حزب النهضة في الحكم قد لا يدفع في هذا الاتّجاه لما يحصل من خلط بين الهويّة الدينيّة و الانتماء للدولة. فيذهب في ظن الناس أنّ الولاء و الاحترام للدّين وحده و إنّ احترام الدولة يكون ما دامت الدولة تعكس القوانين الدينيّة.


المغالطة الثالثة
و هي الاستغراب من استفحال الممارسات المنحطّة و النزق و الإجرام كقطع الطريق و الاعتداء على الناس، إلخ و إرجاع سببها لمؤامرات و أياد خفيّة و أشباح و تنزيه الشعب التونسي الذي قام بالثورة عن هذا.
و هذا هو الزور و البهتان فالحقيقة أن عيوبنا كثيرة و كبيرة و نقائصنا متعدّدة متجذّرة. و آي ذلك تربّع الديكتاتوريّة و الفساد على عرش بلادنا القرون الطوال.
إنّ في عدم الإعتراف بالعيوب و الإغراق في الفخر و الشوفينيّة تخدير للشعب و تعمية له. و إنّ أوّل الديكتاتوريّة، دغدغة النرجسيّة و حجب العيوب و اختلاق أعداء من الحاسدين المغتاظين المتحرّقين لإفشال نجاحنا. فإذا ركن العقل للسبات و لم ينهض للعيوب يتمحصّها و يتدبّرها استتبّت الديكتاتوريّة.
لأنّ طريق العقل و الحكمة يفضي لا محالة للتغيير و الرقيّ.

وليد الشريف

jeudi 8 mars 2012

القصيدة المعارضة

كذب كذب،
و التكتّل معهم،
 و للمؤتمر انبطاح،
و الاقتصاد تئنّ مفاصله،
و الفقر لا ينزاح،
و حكاية كعكة...
لا يعرفها إلا اثنان،
الشيخ ...و كبير الأشباح،
في السّياسة عندهم،
 يموت الإيضاح،
****
المجلس فوضى،
فعراك و شغب،
و التخوين سلاح،
و هذا جرّد السيف،
و هؤلاء شرعوا الرماح،
و أياد ترفع كالجند،
و معارضة لا ترتاح،
أشذوذ يا سمصطفى،
إن أجاب على الثغاء،
الزئير و النباح،
****
ثار الثائر و دخل ليرتاح،
فخرج الدجّالون يدّعون وحي الثورة،
فهذا الأسود و هذا مسيلمة،
و هذه سجاح،
****
أخبارنا؟
نحن نحافظ على الهوية،
و عدى ذلك غير مباح،
أخبارنا؟
نحن نذود على تاريخنا،
فلا حيّ على العمل،
و لا حيّ على الفلاح،
دستورنا أضحى دعابة و حديثا،
 من أحاديث المزاح،
سياحتنا في خبر كان،
فلا شمس و لا بحر،
و لا سوّاح،
مركبنا تائه في لجّ،
فلا ربّان و لا ملّاح،
إعلامنا في حضرة زار،
بندير و طبل و مدّاح،
و جامعتنا في غمّ و في حزن،
و من السّواد اتّخذت وشاح،
و العلم في مأتم و نواح،
فالفكر في قفل،
و في وهمنا طُمر المفتاح،
نسري بليل بهيم،
و دليلنا أضاع المصباح،
و مستقبلنا في ماضينا،
و قادتنا أشباح،
****
فهلاّ انقشع الليل،
ليأتي الصباح،
و هلاّ اندحر الظمأ،
و ملئت الأقداح،
فشبابنا لن يرضى بديلا،
عن الأفراح،
و أقسم إن لعبوا،
إن ارتهنوا مستقبلنا،
فلا سماح ...لا سماح...


ملاحظة : الإيقاع و القافية و بعض الصور الشعرية مستلهمة من "القصيدة الشريرة" لنزار قباني.

وليد الشريف

mardi 6 mars 2012

في سجن الصورة

بالأمس القريب سُجن صحافيّون بتهمة نشر صورة لعارضة أزياء عارية أكثر من المحتمل.
غير أنّ الصّور العارية تبثّ حتى في نشرة الأخبار في بلادنا. ألا نرى قوافل من النساء في الصومال و مناطق المجاعات عاريات البطن و الأثداء؟ فلِم لم تُمنع هذه الصور؟ ألأنّها صور لأجساد نحيلة بائسة ووجوه كالحة لا تثير شهوة و لا تستفزّ خيالا جنسيّا؟ بينما صورة عارضة الأزياء هي صورة جميلة لجسد نظر غضّ يافع يستنفر الرغبة و يُطلق الخيال وهذا ما جعل منها جريمة؟
فإذا كان هذا مبرّر احتجاز الصحفيّين فيا بشرانا بعهد اللّاقانون. فهل تُكال التهم و يُسجن الناس حسب وقع أعمالهم في النفوس أم حسب الأفعال الماديّة و الموضوعيّة؟ فإذا كانت القاعدة منع صورة امرأة شبه عارية فيجب أن تكون كذلك في كل الحالات و لا حسب روعة الصورة أو جمال من فيها. لأنّه بذلك تخرج القاعدة القانونيّة عن الموضوعيّة و تصبح رهينة الذاتيّة.
قد يقول البعض أنّ في الصورة تعدٍّ على الأخلاق الحميدة ويساند احتجاز الصحفيين محتجّا بالإحراج الذي تحدثه الصورة إذا ما رآها ابن مع أمّه أو ابنة مع أبيها.
فهل نسلب شخصا حريّته بتهمة الإحراج؟ ثمّ هل تلك الصورة أشدّ وقعا و أكثر إحراجا من الحديث على "ختان البنات"؟ تصوّروا مثلا طفلا تناهى إلى سمعه "ختان البنات" حين تلت المذيعة بيان وزارة الصحّة في نشرة الأخبار و سأل أحد والديه "ما هو الختان؟" و قيل له "إنّه الطهور" فإذا قال "و ماذا سيختنون عند البنت؟" أفهذا الموقف أشدّ إحراجا أم صورة عارضة الأزياء عارية البطن و الرقبة.
ثمّ ما هو الضرر الحاصل من الصورة؟ هل تهدّد السلم الإجتماعي؟ هل تمسّ من قيم الجمهوريّة والعيش المشترك؟هل ستلحق أذى بالأفراد؟
إنّ العقوبة التي نالها الصحفيّون غريبة حتّى عن تقاليدنا الشعبيّة الأكثر محافظة من القانون المدني، فمن يضبطه أحد والديه يشاهد صورة مثلها أو حتى أجرأ منها بكثير لا يزيد عقابه عن أن يقول له "كفى وقاحة" أو "إنّ ما تفعله حرام". بل إنّ من الصّور التي نشاهدها و شاهدها آباؤنا و أجدادنا مع عائلاتهم ما يزيد عن تلك الصورة جرأة و إثارة للغرائز. أما شاهدوا كلّهم و شاهدنا كلّنا أفلام عبد الوهاب و فريد الأطرش و عبد الحليم و غيرهم و هي أفلام تزخر بالرقصات الجريئة و الملابس الخفيفة. أفستُمنع هذه الأفلام أيضا؟ ألن نتمتّع بعد الآن بروائع أغاني الأفلام مثل "بساط الريح" و "بلاش تبوسني في عيني" و "دقوا الشماسي"، إلخ؟
وبعيدا عن مجال الصحافة و الفنّ فإنّ مثل ما جاء في تلك الصورة يتمّ الحديث عنه و الخوض فيه بإطناب في عديد الأحيان في المجال الديني.
إنّ من الخطباء الواعظين من يرتقي المنبر فتجري على لسانه عورة المرأة وأعضاؤها أكثر ممّا يذكر حبّ الغير والإحسان إليه أو شكم النفس وتزكيتها أو المساواة و العدل و الاحترام.
وهو لا يفتأ يذكر، من دون ما خلق الله جميعا، عورة المرأة و يغفل بل هو ساه عن جمال الصبح إذا تنفس و روعة الليل إذا عسعس وآلاء النجوم و الشجر و الشمس و القمر وآيات البصيرة والبصر ونعمة العلم والقلم.
أليس في مثل هذا الخطاب أيضا إحراج للعائلات و إغراق في الحديث الإباحي؟ أم أنّ الإطناب في الحديث عن الجنس مع تقبيحه و النهي عنه يضفي عليه المشروعيّة؟ فكان يكفي حينئذ أن يقوم الصحافي بنشر نفس الصورة مع إضافة عنوان من قبيل "صورة داعرة لعن الله من فيها" فيضمن بذلك حريّته.