samedi 27 octobre 2012

يا ويلتكم...أعجزتم أن تواروا سوءة أخيكم؟

لقد أصمّوا آذاننا بضرورة استبعاد التجمعيّين. و تباروا في استنباط المصطلحات : الفساد والإستبداد والتزوير والغش وتسميم الحياة السياسيّة وتجهيل الشعب وتفقيره ونهب ثرواته، إلخ. وقالوا أنّهم حريصون على حماية الثورة وقالوا أنّ همّهم تحصين المسار الثوري وقالوا أنّهم ينفّذون إرادة الشعب الذي عاف التجمعيّين...
وهذا هو عين الدجل. لأنّ مثل هذا الخطاب هدفه إيهام الناس أنّ الحقبة المظلمة التي عانيناها سببها أشخاص فاسدون لا غير، فإذا ذهب هؤلاء الأشخاص استقامت أمورنا وصلحت. وكأنّ الميل إلى الفساد و الإستبداد يختص به التجمعيّون دون غيرهم وأنّنا إذا أقصيناهم فقد فزنا الفوز العظيم.
والحقيقة أنّ هذه الرذائل لا يختصّ بها أناس دون آخرين ولا تنتقل بالعدوى أو بالملامسة وإنّما هي تبرز وتنمو وتستفحل متى توفّرت لها البيئة الملائمة التي تخلو من مؤسّسات قويّة تفرض احترام الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان.
إن منتهى السذاجة أن يحسب الإنسان أنّ رجالات الترويكا أو المعارضة أو أي مناضل أو أي بشر هو خالٍ من نوازع الاستبداد وحبّ الذات وغيرها من الميولات السيّئة. فالشر والخير في كل نفس، ألم يقل الله تعالى في الآية 7 و8 من سورة الشمس "ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها"؟
إنّ بناء مستقبل جديد لا يكون باستبعاد أشخاص بعينهم وكأّن الشرّ منحصر فيهم ملازم لهم لا يسكن في غيرهم. إنّ من يردّد ليلا نهارا أنّه يجب إقصاء التجمعيّين لإرساء نظام ديمقراطي إنّما يريد أن يوهم الناس أنّه يعمل لتحقيق أهداف الثورة وما هو بفاعل. بل هو يرسي دعائم الديكتاتوريّة لأنّه يحوّل الإنتباه عن ضرورة بناء منظومة ديمقراطيّة ومؤسّسات ترسّخ الحريّة وتحميها فلا نرجع للإستبداد أيّا كانت الأشخاص التي تعتلي سدّة الحكم. وهو يرغب أن تستبطن أذهان الناس انتصارات وهميّة فيعتقدون أنّ العمل قد تمّ وأّنّهم اعتلوا منصّة التتويج فيخدّرهم الاطمئنان وتغمرهم الدعة والسكينة.
إنّ إزاحة نظام بن علي هي بمثابة إزاحة سدٍّ كان يمنعنا من خوض معاركنا الحقيقيّة والمصيريّة. إنّه تموقُع على خطّ الانطلاق للثورات الحاسمة والأساسيّة التّي منعتنا الديكتاتوريّة عبر كلّ تاريخنا أن نقوم بها لتسيطر علينا وتبقينا في الذلّ والهوان.
إنّ مشكلنا مشكل منظومة و قيم وذهنيّة. لقد ساد بن على السّنين الطوال وقبله كل المتفردّين بالحكم بسبب رضوخ أغلب الشعب التونسي قبل كل شيء وسكوته على القهر والظلم و الفساد.
لا حماية لنا ولا إصلاح إلّا بتغيير العقليّات والقيم وإرساء منظومة تكرّس الحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطيّة وليس باستبعاد بضع أشخاص ومواصلة نفس المسار في نفس الإتّجاه.
إنّ معاقبة من أجرم ضرورة قصوى لإرجاع الحقوق لأصحابها وترسيخ ثقافة المحاسبة والمساءلة وعلويّة القانون وإعطاء العبرة لمن يعتبر. أمّا أن تَسُنّ السلطة التشريعيّة، وهي الممثّلة للتوازنات الحزبيّة، قانونا فيه قائمة بأشخاص يتّم حرمانهم من حقوقهم المدنيّة فذلك تجنٍّ وإقصاء ولاقانون. وهي عمليّة دافعها حساب انتخابي وغايتها ربح سياسيّ، بل هي توجّه بخطى حثيثة نحو الديكتاتوريّة. وهي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنّ النزعة للإستبداد ليست مقصورة على التجمعيّين بل هاهي تتجلّى عند أحزاب الترويكا بكلّ وضوح.
فلنتأمّل جيّدا حصيلة عامين من فترة ما بعد الثورة. إنّ الإنجاز الملموس الثابت الوحيد هو تسليم السلطة من طرف الباجي قائد السبسي و فؤاد المبزّع بعد الإنتخابات. وهو إنجاز عظيم لأنّه مؤسّس في ذهن التونسي لممارسة جديدة وهو علامة فارقة في تاريخ تونس. أمّا فريق الترويكا فلم ينتج إلا الشعارات و تعابير النوايا الطيّبة.
فلنتأمّل جيّدا حصيلة عام من حكم الترويكا.
ألم تر كيف كابروا وتهرّبوا وتملّصوا وسوّفوا ووعدوا وأجّلوا وبرّروا واستعملوا كلّ الأعذار لكي لا يضبطوا خارطة طريق للإنتخابات المقبلة ولا ينشئوا هيئة مستقلّة للإنتخابات؟ ألم تر كيف دُفِعُوا دفعًا لتقديم مبادرتهم وهم كسالى بل لكأنّهم يُساقون إلى شرّ عظيم؟
ثمّ فلنتأمّل جيّدا حصيلة عام من حكم الترويكا.
 لقد صدّعوا رؤوسنا بالعدالة الإنتقاليّة وضرورة المحاسبة والمساءلة وكشف الملفّات وإماطة اللثام على الفساد ولم يفعلوا شيئا. ولو كانت إرادتهم خالصة لسنّوا قوانين العدالة الإنتقاليّة. ألم يصوّتوا على ميزانيّة 2012 في 24 ساعة رغم احتراز المعارضة؟
لكنّهم يتهرّبون من منظومة العدالة الإنتقاليّة ويصدرون دعوات الإقصاء. لقد منحوا "نداء تونس" تأشيرة العمل الحزبي ثم انبروا يهاجمونه ويقذفونه بأقذع الشتائم ويتوعّدونه بالويل والثبور ويحرّضون الناس عليه. أفمنحوه التأشيرة لكي لا يعمل؟ أتعطيني رخصة سياقة ثم تحرّض الناس عليّ عندما أقود سيّارتي في الطريق العام؟
الحقُّ، إنّهم يريدون أن يقترف الناس ما يخافون أن يفعلوه هم بأيديهم لأنّه جرم. الحقُّ، أنّهم يريدون للجرم أن يقع ويريدون أن يضيع الدم بين القبائل.
وهاهو الجرم قد وقع بعد أن طوّعوا للنّاس قتل أخيهم، فبسطوا أيديهم وقتلوه. ولكنّ الغراب في قصّتهم لا يبحث في الأرض ليعلّمهم كيف يوارون سوءة أخيهم، بل يزيّن لهم فعلهم ويحثّهم على بسط أيديهم لقتل إخوة لهم آخرين.