dimanche 8 janvier 2012

جدّوا أو زولوا...لنرى السماء

يسود اليوم في السّاحة السياسيّة خطاب شعاراتيّ أقرب إلى السذاجة و البساطة منه إلى الحكمة و الموضوعيّة و الحصافة و القدرة على العمل. ترتفع الشعارات المردّدة للقيم و الأهداف المطلقة : العدل، إعادة الحقوق، القضاء على الفساد، التوزيع العادل للثروة، العيش الكريم، إلخ.
و هلّا جاءت الأديان و الفلسفات و النظريّات السياسيّة و الإقتصاديّة عبر العصور و الأزمان إلاّ لهذه الأهداف؟ و هلّا رامت البشرية منذ الأزل غير هذا؟
فإعلان هذه الشعارات هو من البساطة و السذاجة إن لم يكن من سوء النية بمكان. هل هناك خطاب في الدنيا يعلن برنامجا مضادّا لهذه القيم مثل : الظلم و العسف و التفقير و السرقة و الإستغلال؟
إنّ الخطاب اليوم و خاصة من جهة المتأهّبين للحكم لا يجاوز حدود العموميّات و البديهيّات المضحك ترديدها و التي لا تتجاوز قيمتها النفعية أو الإستخداميّة قيمة تأكيدات يقولها الفرد في أعقاب جلسة عائليّة أو بعد مشاهدة مسلسل مصري كأن يقول أنّ العدل يجب أن يسود المجتمع أو أن العمل يجب أن يكون متقنا، إلخ.
أسيكون التأكيد على هذه القيم و ترديدها إلى حدّ الضجر هو الكفيل بتحقيق و لو جزء منها؟ أليس تصوّر الحلول التقنيّة و البرامج العمليّة و محاولة استشراف الآتي و التحلّي بالجرأة الفكريّة هو الذي يساهم بالأساس في تحقيق هذه القيم و يجعل الناس ينعمون بثمارها؟
ألم تأت الأديان و النظريّات الأخلاقيّة بكلّ هذه المبادئ؟ و لكن هل حرّر العبيد غير مخترع الآلة و الطاقة البخاريّة (و هذه فكرة أوردها المنصف المرزوقي في كتابه "في سجن العقل")؟ و هل ساهم في العدل الإجتماعي و كرامة المسنين أكثر ممّن اهتدى لفكرة الضمان الإجتماعي؟ و هل ساهم في إرساء الحكم الرشيد و الحدّ من الظلم و القهر أكثر من الذّي أتى بمفهوم الفصل بين السّلط؟ إلخ.
قد يقول البعض أني تعسّفت على الفريق المتأهّب للحكم و أنّه ما فتئ يكرر و يؤكّد و يصرّ ملحّا أن في مقدمة أولوياته التشغيل و التنمية و التوازن الجهوي. و هل هناك حكومة في الدنيا في العصر الحاضر لا تكون هذه أولويّاتها؟ لكن المهم كيف ستتحقّق هذه الأهداف : أيّ توجّهات إقتصاديّة كبرى سننحو ؟ هل هناك فكرة خارقة غير مسبوقة ؟ هل هناك زراعة جديدة سنركّز عليها ؟ هل هناك صناعة جديدة سنطوّرها؟ هل هناك انجاز ضخم سيتّم ليغيّر وجه جهة من الجهات؟ هل هناك ثروة كامنة في بلادنا و لم نتفطّن لها أو لم نستغلّها الإستغلال الأجدى؟
هذا ما يجب أن يعلنه الفريق المتأهّب للحكم لتتحوّل تونس إلى ورشة عمل و تفكير لتقديم المقترحات و للإبداع.
سيقول البعض أنّ بوادر البرنامج قد لاحت و أنها تبشّر بكل خير : بيع القصور، التخفيض في رواتب الرئيس و الحكومة و التقشّف في مصاريف الدولة.
و سأقول أنا يا خيبتنا إذا كان هذا أقصى إبداعنا و منتهى ذكائنا. و يا بؤس أيّامنا القادمة و يا حزن لياليها إذا كانت انجازاتنا على هذه الشاكلة.
يا أيّها الفريق المتأهّب للحكم إنّنا لم نقم بالثورة لاقتسام الفقر و ترسيخ ثقافة التسوّل و الزهد في الدنيا و عيش الكفاف.
لقد قمنا بالثورة لنأكل حتى الشبع و نشرب حتى الارتواء و ننام ملء جفوننا و نمرح و نضحك ملء أشداقنا و نرقص و نبتهج و نبدع و نحبّ و نبيت متفائلين بالمستقبل.
يا أيّها الفريق المتأهّب للحكم إنّ الثورة في العقل و في طرق العمل و التفكير لا في الاكتفاء برد الفعل على الماضي و إعادة كتابته لأنّ ذلك يعكس ارتهانا له و عقما فكريّا خطيرا. إنّ الثورة تستوجب ذهنيّة جديدة قائمة على الشجاعة و الجرأة الفكريّة و التوق الجامح لصنع المستقبل و تطويع القدر لإرادة الإنسان التونسي.
يا أيّها الفريق المتأهّب للحكم إنّ من استحقاقات الثورة مجابهة الشعب بنقائصه و بعيوبه لا تمجيده و تملّقه لإفقاده الوعي و إدخاله في غيبوبة. إنّ من استحقاقات الثورة تصوّر الحلول الخارقة الغير المسبوقة لإدخال البلاد في نسق جديد يبعث الثقة في النفس و الشعور بالقدرة على الإبداع و النجاح و الإنتصار و يحرر الطّاقات و يجعل العيون تشتعل بالأمل و التفاؤل و الإقبال على الحياة و الثقة العميقة أن الإنتصار آت لا محالة. إنّ من استحقاقات الثورة القرارات الجريئة القائمة على العقل لا على الشعبويّة و دغدغة العواطف و الغرائز الوضيعة و المخيال الساذج البسيط. 
يا أيّها الفريق المتأهّب للحكم إنّ شباب تونس برهن أن له من الطاقات الخلاقّة و من الفكر ما يجعله في مقدمّة الأمم. و أنّه هازل عن جدّ و عن عمق و عن طاقة كبيرة للإبداع لا عن فراغ و سطحيّة و تميّع. فجدّوا أنتم أيضا و انضُوا عنكم عباءة المرشدين الأخلاقيّين و المبشرّين بالقيم و إلاّ سيقول لكم الشباب "زولوا ...لنرى السماء

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire